CELEBRITIES- إكرام زايد –
لم يوقف طموح المطرب الشاب محمد الغاوي عن تكرار المحاولة مجددا وإعادة الطلب مرة أخرى من الراحل الكبير علي الحداني أن يمنحه كلمات أولى أغنياته في مساره الفني، فيما ظل اسم الملحن الذي سيتولى تلحينها قيد النقاش، بالنظر إلى أن الحداني لم يكن مقتنعا بالاسم المقترح من قبل الغاوي، والذي كان – كما سبقت الإشارة في الحلقة الماضية – عازف العود الشاب محمد بلخياط.
حينها، لم يجد الشاب محمد الغاوي بُدا من الحديث مجددا مع المنتج القدير حميد العلوي، وإخباره بمستجدات الموضوع الذي سبق أن فاتحه فيه والمتعلق برغبته في التعامل مع الكبير علي الحداني. عندئذ، وبعد أن اطلع العلوي على تفاصيل الحكاية، أخبر الغاوي مطمئنا إياه بأنه سينظم قريبًا في بيته جلسة أولية يدعو إليها الحداني وبعض الأصدقاء، إضافة إلى الغاوي وصديقه بلخياط. وهو الاقتراح الذي تلقّاه الشاب الغاوي بأريحية وسعة صدر، وترحاب عارم جعله يتحمس أكثر فأكثر لرفع هذا التحدي أمام الحداني، وتأكيد أن ترشيحه لصديقه الملحن الشاب كان صائبًا وفي محله.

عن تفاصيل هذه الجلسة، يحكي الفنان محمد الغاوي “بعدما أخبرت حميد العلوي بأني فاتحت الراحل علي الحداني في الموضوع، اقترح علي تنظيم جلسة في بيته. فكان ذلك فعلًا، وحضرنا إلى بيت العلوي الذي كان متزوجًا حينها بالفنانة فاطمة المقدادي. كان معي محمد بلخياط، الذي كان عضوًا في الفرقة الموسيقية لبرنامج مواهب، وكانت تربطنا علاقة صداقة متينة ولا تزال.”
وهو يستعيد شريط الذكريات، يواصل الغاوي رواية باقي التفاصيل المتعلقة بهذا اللقاء الذي شهد مخاض وميلاد أغنية “الغربة والعشق الكادي” التي شكلت مفتاح شهرته وانطلاقته القوية، قائلا: “كان ذلك سنة 1981، حين حضرنا وجلسنا في ناحية من صالون البيت، وكان الحداني رحمه الله ينظر إلينا من حين إلى آخر بنظرة عطف لأننا شباب. وفي لحظة، قام ومنح لمحمد بلخياط ورقة كتبت عليها كلمات أغنية الغربة، قائلا له إنها ستكون تجربة أولى. قرأنا الكلمات وبدأنا الاشتغال عليها في زاوية الصالون، حيث ناقشنا أنا وبلخياط الأنغام والمقامات التي ستوظف في تلحين الكلمات، بينما جلس العلوي والحداني رحمه الله في الجانب الآخر من الصالون.”
استغرق اشتغال الشابين محمد الغاوي ومحمد بلخياط على الكلمات التي منحها لهما الراحل علي الحداني حوالي ساعتين، أعلن بعدهما بلخياط أمام الحاضرين عن جاهزيته. وهنا، يقول الغاوي “رد السي علي: كلنا آذان صاغية. وهنا شرع محمد بلخياط في غناء كلمات الأغنية بلحنها الذي سجلنا وفقه، مع بعض التعديلات الطفيفة خلال مرحلة التسجيل.”
وبعد انتهاء بلخياط من ترديد كلمات الغربة، فوجئوا – كما يقول الغاوي – بالراحل علي الحداني والدموع تنهمر من عينيه، كما لمسوا تأثر حميد العلوي وزوجته حينها فاطمة المقدادي. وبمجرد ما انتهوا، قام الحداني ومنحهم كلمات الأغنية بدون مقابل، متمنيًا لهم التوفيق والنجاح.
وهنا أشار الغاوي إلى نقطة أذكت في الملحن الشاب محمد بلخياط الحماس وألهبت موهبته، قائلا “لقد كانت المهمة جسيمة أمام بلخياط، خصوصًا أني أخبرته سابقا بأن الراحل الحداني لم يكن مقتنعًا في البداية بالتعامل معه، وفضل الملحن عبد القادر وهبي الذي اشتغل معه في العديد من الأغنيات الناجحة آنذاك. أما بالنسبة إلي، فقد شكل الأمر ولادة مغنٍ شاب وسط أسماء فنية كبيرة، لأن منح السي علي لك كلمات أغنية كان يعني نجاحا كبيرا وانتشارا جماهيريا واسعا.”
وفي حديثه عن ظروف وملابسات ميلاد أغنية “الغربة والعشق الكادي”، لم يغفل الغاوي الحديث عن صديقه الصدوق ورفيق درب نجاحاته الفنية وزميله في مدرسة مواهب، محمد بلخياط، الذي قال عنه: “لقد سخره الله لي، وسخّرني له. كانت بيننا، ولا تزال، محبة وصداقة منذ الصغر. استشعرت موهبته في برنامج مواهب حين طلب السي عبد النبي الجيراري منه تلحين أغنية لي، فيما طلب من عز الدين منتصر تلحين أغنية أخرى للبشير عبده لتقديمهما في البرنامج. أنجز لي الأغنية فعلا، إلا أني لم ألمس موهبته الحقيقية إلا حينما لحن أغنية راجع تاني للأفراح، التي أيقنت من خلالها قدرته الفنية، لأنه يوظف الدراسة في التلحين ويعمل بطريقة علمية. إضافة إلى ذلك، فهو ينحدر من منطقة سيدي قاسم، حيث تتعدد الأوزان والإيقاعات الموسيقية مثل الهيت والعروبي، فضلًا عن أنه يُعدّ من أكبر الأساتذة في المعهد الموسيقي في العزف على آلة العود والصولفيج.”
(يتبع)
