CELEBRITIES- إكرام زايد
حضور أنيق، وتعامل راق، وإطلالة بهية، رافقته طيلة مسار حياة وفن بصمهما الفنان الراحل عبدو الشريف برقي، عهده أصدقاؤه وكل من عاشره عن قرب أو بعد..
كان الراحل عبدو الشريف إنسانا خلوقا وأنيقا، يتعامل باحترام كبير وتقدير لمن يخاطبه أو يجالسه أو يلتقيه بمحض الصدفة ..
شاءت الأقدار أن ألتقيه سنة 2001، بعد عودته من الحفل الناجح الذي أحياه بدار الأوبرا المصرية لأول مرة، والذي كان نجاحا بكل المقاييس، لأنه انتزع اعتراف الجماهير والنقاد المصريين بميلاد “حليم” مغربي، بعد رحيل العندليب المصري سنة 1975..
لا أنكر أني كنت من بين المئات، بل الآلاف والملايين، الذين شعروا بالفخر بالعندليب المغربي وهو يرفع التحدي عاليا ويشدو بـ “جبار”، ولا أنكر أني تمنيت حينها لقاءه ومحاورته، وهي الأمنية التي تحققت إذ كنت من بين من استقبلوه في مطار محمد الخامس بالدار البيضاء، قادما إليها من العاصمة المصرية القاهرة.
كان الراحل مبتسما بشوش المحيا، حريصا على السلام على كل من وجد في حفل استقباله؛ سواء من الإعلاميين أو الجماهير ..
لم يمانع الراحل في الإدلاء بتصريحات للإعلاميين الحاضرين حينها، ولم يضجر من أي استفسار أو سؤال، مكتفيا بابتسامة عبر من خلالها عن كل شيء..
وبعد تحديد الموعد، أجريت حواري مع الراحل عبدو الشريف. كان حوارا لفائدة جريدة “الأحداث المغربية” حينها، بعدما التقينا في مطعم “زونا روزا” الموجود في تقاطع شارع مرس السلطان بالدار البيضاء، وكان لقاء مطولا نشر في صفحة كاملة على الجريدة ذاتها، مع إعلان على صفحتها الأولى ..
فاجأتني أناقة تعامله وبساطته، وجعلتني لا أتردد في استفساره عن كل ما يجول بداخلي من أسئلة..
كان حوارا خاصا، لأن الراحل عبدو الشريف رد عن كل أسئلتي، وبعدها أطلق العنان لصوته الشجي بين الملحون والأندلسي وأغاني العندليب الأسمر وجيلالة، ليعود مجددا إلى استئناف التسجيل على جهاز “الكاسيت” الصغير.
انتهى حوارنا ولم تنته جلستنا التي تحدث فيها الشريف عن استعداده خوض تجربة فنية جديدة مع “العراب” محمود السعدي، ودراسته لاستقرار مرتقب في القاهرة، وتعاقد فني مرتقب مع شركة “صوت الفن” المصرية، واتفاقات بشأن مقابلات مع قنوات تلفزيونية عربية..
شاءت الظروف أن تجمعني مجددا مع الشريف، بعد دعوة تلقيتها من والدته لمأدبة غذاء، وهي الفرصة التي جعلتني أكتشف أن الوالدة هي منبع الأناقة والرقي والجمال، وهي أصل ما يراه الجميع في الابن عبد الله التازي؛ المعروف بلقب عبدو الشريف، الذي أطلقه عليه لأول مرة الفنان المصري الراحل توفيق حلمي.
وتمر السنوات، وتأتي فرصة أخرى للقاء العندليب المغربي، ولكنه لقاء مختلف عن سابقه، لأن الأحوال تبدلت والظروف تغيرت بين الأمس واليوم، ولأن الرياح جرت بما لا تشتهيه السفن ..
لقد اختلفت معالم ومحددات الساحة الفنية العربية والمغربية عن الماضي، ومعها اختلفت أذواق الجماهير في العالم والعربي والمغرب .. أصبح العندليب المغربي بعيدا عما يشهده المجال الفني، مكتفيا بالمتابعة عن بعد، وتسجيل إطلالة فنية متميزة من حين إلى آخر، على غرار إحيائه لحفل متميز في بيت الدين في لبنان، وحفل فني كبير آخر كان مبرمجا إقامته مساء الجمعة 8 مارس 2024، لكن الإرادة الإلهية لم تشأ له أن يكتمل، ليلتقي الشريف بوجه رب كريم، بدل اللقاء بجمهور بلده بقاعة ميغاراما بالدار البيضاء.
رحم الله الفقيد وإنا لله وإنا إليه راجعون