بقلم: محمد بلمو –
أتيحت لي فرصة نادرة لمتابعة الدورة ال18 لمهرجان تويزة الذي تنظمه مؤسسة المهرجان المتوسطي للثقافة الأمازيغية بطنجة”، ما بين 25 و28 يوليوز 2024، تحت شعار: “إنما الأمم الأخلاق..”.
ولأن هاجسي كان دائما هو الحرص على متابعة المهرجانات الثقافية المتميزة، لكوني أخوض رفقة عدد من اصدقائي تجربة تنظيم مهرجان ثقافي بقصبة بني عمار زرهون FestBaz، منذ سنة 2001، وذلك بهدف تطوير تجربتنا وفتح أبواب التفاعل مع تجارب اخرى، فقد أسعدتني الدعوة الكريمة التي تلقيتها من إدارة مهرجان تويزة مشكورة، لانها مكنتني من الاطلاع عن قرب على تجربة متميزة ورصينة تحتضنها مدينة طنجة العالية.
ما شجعني على الحضور اكثر، ما جاء في بلاغ الدورة من كون هذا المهرجان ينخرط بفعله الثقافي هذا في “النهضة الثقافية والفنية التي شهدتها الأمازيغية منذ خطاب أجدير التاريخي(17 أكتوبر 2001)، مرورا باعتماد الأمازيغية كلغة رسمية في دستور المملكة (سنة 2011)؛ وانتهاء بتفضل جلالة الملك بإقرار رأس السنة الأمازيغية عطلة وطنية رسمية ( 3 ماي 2023)؛ وتجسيدا لانفتاح الأمازيغية على التعدد اللغوي والثقافي والفني الوطني والكوني؛ والتزاما بنشر ثقافة الحوار والانفتاح والتسامح”.
لم يكن من باب الفضول، انني كنت متلهفا لمعرفة طبيعة تجسيد المهرجان لانفتاح الامازيغة على التعدد اللغوي والثقافي والفني الوطني والتزامه بنشر ثقافة الحوار والانفتاح والتسامح.
ويمكنني القول انطلاقا من متابعتي الدقيقة لفقرات المهرجان، وبعيدا عن لغة الاستسهال والاسهال الفيسبوكية التي ضربت لوثتها حتى بعض المثقفين، ان الامر فعلا لا يتعلق بمجرد كلام للاستهلاك، فقد شارك في المهرجان فضلا عن المثففين الامازيغيين مثل احمد عصيد وغيره، مفكرون ومبدعيدون من سوريا (برهان غليون) ومن العراق (خزعل الماجدي وعبد الله ابراهيم)، ومن مصر (يوسف زيدان) ومن الاردن (أيمن العثوم)، فضلا عن كوكبة من المثقفين والباحثين والمبدعين المغاربة وفي مقدمتهم محمد الطوزي عبد الجليل بوزوكار، عبد اللطيف بنيحيى، حليمة غازي، مصطفى اوعشي، رشيد ايلال…
هؤلاء الذين شاركوا في سبع فعاليات فكرية ونقدية ما بين لقاءات حوارية وندوات ومحاضرات، استفدت واستمتعت كثيرا بمتابعتها، وهنا لابد ان اشير الى الاهمية والاولوية التي يعطيها المنظمون للقاءات الفكرية والنقدية الرفيعة ضمن مهرجانات قليلة جدا، في حين لا تخرج اغلب مهرجانتنا عن النمط الفولكلوري الذي يسود فيه الشطيح والرديح، ولا يقيم اعتبارا للفكر والنقد وثقافة الجدل والحوار والسؤال.
وما اثارني حقا وأبهجني، ذلك الحظور الوازن للجمهور في هذه اللقاءات التي عادة ما توصف بالنخبوية (انظر الصور)، حيث تجاوز في الندوة الختامية حول “خطر السقوط الاخلاقي” 300 شخص، وهو رقم قياسي عندما استحضر الكثير من اللقاءات التي تابعتها في مناسبات اخرى، لا يتجاوز جمهورها عدد أصابع اليدين، كما انه حضور نوعي ومتعدد وثري، وفاعل، بحيث كانت متابعة تدخلات المشاركين تتميز بالانصات والانتباه، كما تميزت بالمشاركة الوازنة للجمهور في النقاش الذي يمتد لوقت طويل، وقد بدا واضحا لي إصرار المنظمين وحرصهم على فتح المجال للجمهور واسعا، للمشاركة بالتدخلات والاسئلة، بعد كل لقاء او ندوة، باللغتين الوطنيتين الامازيغية والعربية، وبالغات الاجنبية ايضا، في جو من الحرية والتعدد الاحترام.
الفضاءات المحتضنة لفعاليات المهرجان كانت متنوعة هي ايضا من فضاء رياض السلطان التقليدي الجميل بالقصبة الى المركب الثقافي الفسيح أحمد بوكماخ إلى قصر الثقافة والفنون.
طبعا تضمن المهرجان سهرات غنائية وازنة الى جانب اللقاءات الفكرية والأدبية التي ذكرت سابقا، كما تضمن معارضا متنوعة، منها معرض الكتاب بتعاون مع ” اتحاد الناشرين المغاربة”، ورواق: “إزران.. وجوه نسائية” لزكرياءالبقالي، ورواق: الكتابة طريقة تعبير عن الذات والثقافة والهوية للباحث الاثري عبد السلام زيزوني، ورواق تشكيلي: “لْبْدا””ⵍⴱⴷⴰ” للفنان منير بنرقي، ورواق:”تعاونية طلبة رواندا للفن الافريقي”، ورواق: “تعاونية طلبة السنغال للتبادل الثقافي”، ورواق الأكسسوارات الأمازيغية لمحند عشار، ومعرض المنتوجات المجالية والتقليدية من الريف وجبالة والأطلس وسوس والجنوب الشرقي والصحراء، وأخيرا
معرض: “هؤلاء مروا من هنا..” ويتضمن ارشيف صور كل الذين شاركوا في الدورات السابقة للمهرجان. كما تضمن المهرجان فضاء الطفل لتعلم اللغة الأمازيغية وورشة حرف ثيفيناغ.
ما شد انتباهي أيضا، حرص المنظمين على إبراز مختلف مظاهر الثقافة الأمازيغية، ففي حفل استقبال مساء اليوم الأول، تم تقديم نماذج من الماكولات والمشروبات الامازيغية الاصيلة التي تذوقت بعضها لأول مرة.
لقد اتاح لي حضور مهرجان تويزة اللقاء لأول مرة بعدد من المفكرين والمبدعين المشاركين مثل محمد الطوزي وبرهان غليون وخزعل الماجدي، مثلما أتاح لي أن أعيش لحظات جميلة جددت من خلالها اللقاء بعدد من الأصدقاء المبدعين المغاربة أذكر منهم عبد اللطيف بنيحيى وأحمد لمسيح وعبد الحق الزروالي وعبد الكريم برشيد ومراد القادري وعبد العاطي جميل ومحمد عابد وغيرهم، مما كان الفضل في حصوله لهذا المهرجان الذي يشعل الشموع ولا يأبه بمن يزرع الظلام.
لذلك اشد بحرارة على المؤسسة المنظمة بكل طاقاتها وأطرها وشبابها الذي كان في الموعد والمستوى.